mardi 24 décembre 2013

قراءة في سياسة نابيون "الإسلامية" في اطار الحملة الفرنسية على مصر

.
كتبها : زكرياء الزوادي




 مخطئ من يعتقد ان الحملة الفرنسية على مصر حملة صليبية أو استعمارا كلاسيكيا بل انه في تصورنا جاء نتيجة صدى الثورة الفرنسية  في العالم لما حققته من تغير شمولي في بنية التفكير العلمي  و النظم السياسية    استنادا لأفكار  النهضة   والأنوار مع تمييزنا للفرق بين النظرية و التطبيق فبرزت سياسة  المد الثوري مرفوقة بشعار الحرية والمساواة والعدالة  واستجابة للدراسات الاستشراقيية  التي ابتدأت عام 1312 في المجامع الكنسية   في فيينا وعرفت تطورا ملحوظا في القرن18 واتخذت أشكالا متعددة أثناء القرن 19 والقرن 20 
نقرا لادوارد سعيد  في الاستشراق ** ان احتلال نابليون لمصر ادى الى تحريك عمليات بين الشرق والغرب ما تزال تسيطر على منظومتنا الثقافية الى اليوم** [1]  وقدمت الحملة  بالمجهود الجماعي موسوعة وصف مصر  فكيف تمثلت سياسات نابليون بمصر .
السياسة "الإسلامية"  لبونبارت
مذ أن كان بونابارت لا يزال على متن  السفينة  اوريان()[2]  كتب منشورا باللغة الفرنسية موجها إلى الشعب المصري  شرح فيه الخطوط الرئيسة لسياسته بمصر و قام المستشرقون بترجمتها الى العربية  وان كانت الترجمة بأسلوب ركيك  وأضيفت اليها بتوجيه من بونابارت عبارات لم ترد في النص الأصلي  وكان قد احضر مطبعة مزودة بالحروف الفرنسية واليونانية و العربية  ولما نزلت الحملة  بالإسكندرية وزع المنشور وأرسلت نسخ منه إلى القاهرة     و نلاحظ من بداية المنشور حرصا على عدم التلميح لاي جملة تشير إلى ارتباط الحملة  بالمسيحية او الصليب  او ما كان متداولا في العصر الوسيط  لا
    ونعتبر دلك نوعا من اساليب الدعاية او البروباغندا الممنهجة من خلال الحرص على التقرب من الأهالي و عدم إثارة الرعب في نفوسهم في بداية المنثور   نستشف ذللك من خلال  افتتاحية المنشور بالبسملة **بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله لا ولد له ولا شريك له في ملكه من طرف الفرنساوية المبني على أساس الحرية والتسوية **[3]  وتبرير الحملة بهدف القضاء على المماليك المتسلطين  وكفهم عن أذية التجار الفرنسيين و تضمنت بعض الرسائل التهديدية في مواد المنشور  كالمادة الثانية - كل قرية تقوم على العسكر الفرنساوي تحرق بالنار‏.
 
أدرك نابليون مبكرا ان حملته على مصر هي تجربة جديدة في حكم شعب شرقي فاتجهت سياسته إلى الأزهر إذ ذكر في مذكراته أن الأزهر يقابل السوربون في باريس  وانه اشهر  جامعة في الشرق وكان أول من أطلق عليهم اسم دكاترة الشريعة                                                              
Les docteures  de la loi   
اضافة الى كونهم زعماء الشعب المصري في النصف الثاني من القرن 18 على وجه خاص فكانوا كثر العناصر نفوذا وهيبة  لذا سنجد المؤرخون الاوروبيون يطلقون على سياسة بونابرت مصطلح  سياسة بونابرت الإسلامية  [4]
La politique musulmane de bonaparte
و قامت هذه السياسة على اضهار الاحترام العميق للدين الاسلامي  والتقاليد الدينية وإسهام الجيش رسميا في الاحتفالات بالأعياد  الدينية وغيرها و التقرب من فقهاء الأزهر و اعطائهم مزيدا من النفوذ  تحت اشراف الفرنسيين. وكان جوهر هذه السياسة الاسلامية لبونبارت يتجلى كما يذكر هنري لورانس في محاولة  "دمج الخطاب الثوري الفرنسي بالرطانة السياسية الاسلامية المصرية ... فإما الرحيل او التوافق مع الافكار الدينية , الافلات من لعنات النبي و عدم السماح للذات(الفرنسية ) بالاندراج في صفوف اعداء الاسلام " [5]
 تجلت عمليا    من خلال  انشاء ديوان لحكم القاهرة يكون مقره الأزهر خصص لهم حراس على ابواب الديوان و تخصيص اجرة لهم و بعض الامتيازات الأخرى يتكون الديوان من 9 اعضاء في البداية له حق تعيين اثنين من الأغاوات \ رؤساء الجند\\ بالإضافة  إلى إلاشراف على لجنة مراقبة الأسواق و لجنة للإشراف على دفن الأموات
بالإضافة الى   * النظر فى المصالح والشكاوى الخاصة بالأهالى 
منع المشاحنات والخصومات بين القرى *
جباية الأموال والضرائب من الأهالي .* 
و* تدريب الأعيان المصريين على نظام مجالس الشورى فيما يعود بالفائدة على الأهالى في مجالات القضاء والمواريث والملكية العقارية والضرائب ، وأول من تولى رئاسة هذا الديوان الشيخ عبد الله الشرقاوى.
 هذا الخير ذو الاصل البدوي  يعد مكسبا مهما للادارة الفرنسية   اذ بفضل انتمائه لمؤسسة الازهر   حقق الشيخ عبد الله الشرقاوي صعودا وظيفيا هاما داخل المجتمع المصري  استغلها لزيادة ثروته من خلال  تصديه للمماليك كونه من اسرة فلاحين  , اضافة الى قيامه بدور الوسيط بين الاهالي و السلطات الفرنسية  فضلا عن ما كان يقوم به من خدمات الابلاغ عن أي تحركات مضادة للفرنسيين [6]    
لكن ما مدى نجاعة هذه السياسة ؟
للوهلة الاولى  يلاحظ المتتبع  جرأة  مهمة  لهذه السياسة كونها حاولت استقطاب النخبة المصرية المتعلمة  ومحاولة استخدامها لصالحها في اطار حكومة الديوان  وفي اطار شمولي يتسم  بخطاب المهمة الحضارية  الذي حاول  مراعاة خصوصية الشرق الثقافية من خلال   دمج الخطاب الثوري الفرنسي بالرطانة السياسية الاسلامية المصرية  كما سبق .  ولكن واقع المتغير الاني للمرحلة المتمثل في هزيمة ابي قير البحرية  3 غشت 1798 التي  انتهت   بخسارة فرنسا فيها امام الاسطول الانجليزي  , هذا الاخير الذي قام بمحاصرة الشواطئ المصرية , و هذا يعني بصورة مباشرة خنق تجارة مصر في المتوسط و البحر الاحمر  و يعني كذلك انقطاع الموارد الاولية لتجهيز الجيش الفرنسي الذي يستعد للحملة الشام .
لتفادي هذ الحصار الاقتصادي نهجت فرنسا سياسة جبائية داخلية    كان من الاسباب  في تقويض نجاعة "السياسة الاسلامية "   لنابيون  حيث شملت "الاملاك على اختلافها الحمامات الخانات و الحوانيت المقاهي طواحين الغلال المعاصر البيوت الغرف ..."[7]
من جهة اخرى ساهمت دعوة السلطان العثماني سليم الثالث في اطار التحالف الانجليزي العثماني  للجهاد ضد فرنسا من خلال منشوراتها في نشوب ثورة اكتوبر 1798 في القهرة فكانت بداية التحول في سياسة نابليون التي ستتخذ طابع العنف   لقمع هذه الثورة حتى وان تطلب الامر تحويل المساجد الى قلاع و هدم البعض الاخر .











[1] سعيد (ادوارد) الاستشراق المعرفة السلطة الإنشاء.  ترجمة كمال أبو ديب مؤسسة الابحاث العربية الطبعة السابعة 2005  ص73
[2] بل هناك من ذهب الى ان بونابارت طلب من جنوده دراسة القران الكريم قبل مغادرة فرنسا راجع لزاماCh. CHERIFS, Bonaparte et l’Islam d’après les documents français et arabes, A. Pedone
éditeur, Paris 1914, p.12
عن بحث التخرج ل كمال حسنة العلاقات الفرنسية العثمانية  في عهد سليم الثالث  ص 177 اشراف الدكتورة عائشة غطاس .جامعة الجزائر كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية 2005 -2006 بحث غير منشور  
[3]  الجبرتي( عبد الرحمان) . عجائب الآثار في التراجم و الأخبار. ج3 ص4  تحقيق عبد الرحيم عبد الرحمان عبد الرحيم . مطبعة دار الكتب المصرية . 1998

[4]   الشناوي(عبد العزيز محمد) . صور من دور الأزهر في مقاومة الاحتلال الفرنسي اواخر القرن الثامن عشر    ص 5  
مطبعة دار الكتاب 1971

[5] لورانس (هنري)  .الحملة الفرنسية في مصر بونبارت و الاسلام . ترجمة بشير السباعي الطبعة الاولى 1995 سينا للنشر ص 154

[6] انضر لورانس (هنري)  .الحملة الفرنسية في مصر بونبارت و الاسلام . ترجمة بشير السباعي الطبعة الاولى 1995 سينا للنشر ص 262-263    
[7] شبارو  (عصام). المقاومة الشعبية المصرية للاحتلال الفرنسي و الغزو البريطاني . دار التضامن للنشر  بيروت 1992 بدون رقم الطبعة  ص50-51 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire